قمة الخليج الـ45- تحديات إقليمية وطموحات خليجية متصاعدة

المؤلف: أحمد الجميعة11.05.2025
قمة الخليج الـ45- تحديات إقليمية وطموحات خليجية متصاعدة

تستعد دولة الكويت الشقيقة لاستضافة الدورة الخامسة والأربعين للمجلس الأعلى لقادة دول مجلس التعاون الخليجي في الأول من ديسمبر القادم، وذلك في خضم مرحلة بالغة الأهمية والحساسية، تتطلب أقصى درجات الانتباه والحكمة نظرًا لتداعيات الأحداث المتسارعة في غزة ولبنان، فضلًا عن القضايا الملحة التي تشهدها المنطقة في كل من سورية واليمن والعراق والسودان، وبالتوازي مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها العميقة على المستويات كافة.

إضافة إلى ذلك، تتزامن هذه القمة مع تطورات سياسية واقتصادية عالمية متلاحقة، ومع وصول إدارة أمريكية جديدة بقيادة الرئيس دونالد ترمب، مما يضاعف من أهمية التنسيق والتشاور بين دول المجلس. كما تواجه القمة تحديات جمة تتصل باستكمال مقومات الوحدة الاقتصادية المنشودة، وتعزيز المنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة، وذلك في إطار رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الرامية إلى توطيد دعائم العمل الخليجي المشترك. وينظر أبناء الخليج بتفاؤل وثقة إلى قادتهم، وإلى حكمة ورؤية سمو الشيخ مشعل الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت، في إدارة أعمال القمة، متطلعين إلى أن تخرج القمة بنتائج ملموسة تلبي تطلعات شعوب المنطقة وتواجه التحديات الجسام.

لقد أظهرت دول الخليج قدرة فائقة على تنسيق مواقفها إزاء الأحداث والتطورات الإقليمية والدولية، وتجنب الانزلاق إلى الصراعات، كما نجحت في بناء شراكات استراتيجية وثيقة مع المنظمات الإقليمية والدولية، ومع الدول الشقيقة والصديقة، مما عزز من مكانة المنظومة الخليجية كقوة إقليمية فاعلة ومؤثرة. ومع ذلك، لا تزال التحديات الخارجية الماثلة في المنطقة تشكل تهديدًا للأمن والاستقرار في دول الخليج، وعلى رأس هذه التحديات استمرار غياب حل عادل للقضية الفلسطينية، وعدم قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، بالإضافة إلى الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على دول الإقليم، وتنامي نفوذ الميليشيات والأحزاب المسلحة الخارجة عن سلطة القانون، فضلًا عن نشاط جماعات الإسلام السياسي التي تسعى إلى بث الفرقة والتشكيك في منجزات دول المجلس عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

لا شك أن دول مجلس التعاون الخليجي تمتلك إرثًا عريقًا من المبادئ والقيم الراسخة التي استندت إليها في مواجهة التحديات على مدى نصف قرن تقريبًا، إلا أنها في الوقت الراهن في أمس الحاجة إلى وضع إطار خليجي متكامل لـ "إدارة المصالح المشتركة" بين الدول الأعضاء، على أن تتولى الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى مهمة إعداد هذا الإطار ووضع آليات لتطبيقه، فيما يضطلع المجلس الوزاري بمسؤولية تنفيذه على أرض الواقع. فمن غير المقبول أن تتباين المواقف إزاء المخاطر التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، أو إزاء الممارسات التي تسعى إلى النيل من الوحدة الخليجية، والاكتفاء بتبرير ذلك بعبارة "الشأن الداخلي". كما لا يجوز أن تقوم التحالفات الاستراتيجية لكل دولة على أسس أحادية قد تتعارض مع مصالح دول أخرى في المجلس.

إن الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، التي تبذل جهودًا تنسيقية مقدرة من خلال إداراتها ولجانها ومجموعات العمل المشتركة، بحاجة ماسة إلى صلاحيات أوسع، وإلى قواعد بيانات أكثر شمولية، وإلى دراسات تحليلية معمقة للواقع الخليجي وتحدياته، حتى تتمكن من القيام بدورها على أكمل وجه. فما زالت البيانات والتقارير الصادرة عنها أقل من حيث حجم المعلومات والتحليل والتنبؤ مقارنة بالمنظمات الدولية الأخرى.

لقد بلغت طموحات أبناء الخليج آفاقًا غير مسبوقة، وأفرزت التطورات المتلاحقة وعيًا متزايدًا ورأيًا عامًا يتشكل يومًا بعد يوم على شبكات التواصل الاجتماعي. ومن هنا، يتعين على العمل الخليجي الرسمي، وعلى الأمانة العامة للمجلس على وجه الخصوص، أن يواكب هذه الطموحات، وأن يسعى إلى اقتناص الفرص التي تعزز من وحدة الكيان الخليجي الذي نفخر بإنجازاته، ونتطلع إلى مستقبل أكثر ازدهارًا ورخاءً.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة